دبشليم
السبب الذي من أجله وضع بيدبا الفيلسوف لدبشليم ملك الهند كتاب كليلة و دمنة
2
فلما أعيا الإسكندر أمره و لم يجد فرصة و لا حيلة ، أوقع ذو القرنين في عسكره صيحة عظيمة ارتجت لها الأرض و العساكر ، فالتفت فور عندما سمع الزعقة و ظنها مكيدة في عسكره :
عاجله ذو القرنين بضربة أمالته عن سرجه أتبعها بأخرى
فوقع فور إلى الأرض مهزوما .
...................................................................................
لما رأت الهنود ما نزل بهم و ما صار إليه ملكهم حملوا على الإسكندر فقاتلوه قتالا أحبوا معه الموت هكذا استولى ذو القرنين على بلادهم ، و ملك عليهم رجلا من ثقاته .
ثم انصرف عن الهند و خلف ذلك الرجل عليهم و مضى متوجها نحو ما قصد له .
فلما بعد ذو القرنين عن الهند بجيوشه تغيرت الهنود عما كانوا عليه من طاعة الرجل الذي خلفه عليهم و قالوا :
"ليس يصلح للسياسة ،و لا ترضى الخاصة و العامة أن يملكوا عليهم رجلا ليس هو منهم و لا من أهل بيوتهم "
و اجتمعوا يملكون عليهم رجلا من أولاد ملوكهم . فملكوا عليهم ملكا يقال له دبشليم ، و خلعوا الرجل الذي كان خلفه عليهم الإسكندر . فلما تمكن له الأمر، و استقر له الملك ، طغى و بغى
و تجبر و تكبر ، و جعل يغزو من حوله من الملوك ، و كان مع ذلك مؤيدا و منصورا فهابته الرعية .
و كان في زمانه رجل فيلسوف من البراهمة فاضل حكيم يعرف بفضله و يرجع في الأمور إلى قوله يقال له بيدبا . فلما رأى الملك و ما هو عليه من الظلم للرعية ، فكر في وجه الحيلة في صرفه عما هو عليه .
فجمع لذلك تلامذته و قال :
"أتعلمون ما أريد أن أشاوركم فيه ؟ أعلموا أني أطلت الفكرة في الملك دبشليم ، و ما هو عليه من الخروج عن العدل و لزوم الشر
و رداءة السيرة و سوء العشرة مع الرعية . و نحن ما نروض أنفسنا لمثل هذه الأمور إذا ظهرت من الملوك إلا لنردهم لفعل الخير و لزوم العدل. و متى أغفلنا ذلك و أهملناه لزمنا من وقوع المكروه بنا و بلوغ المحذورات إلينا ،و لا يسعنا في حكمتنا إبقائه على ما هو عليه من سوء السيرة و قبح الطريقة ، و لا يمكننا مجاهدته بغير ألسنتنا و لو ذهبنا إلى أن نستعين بغيرنا لم تتهيأ لنا معاندته .و إن أحس منا بمخالفته و إنكارنا سوء سيرته كان في ذلك بوارنا .
و قد تعلمون أن مجاورة السبع و الكلب و الحية و الثور على طيب الوطن ، و نضارة العيش غدر بالنفس ،
و إن الفيلسوف لحقيق أن تكون همته مصروفة إلى ما يحصن به نفسه من نوازل المكروه ، و لواحق المحذور ، و يدفع المخوف لاستجلاب المحبوب .
فليشر كل واحد منكم بما يخطر له من الرأي .
قالوا جميعا
أيها الفيلسوف الفاضل ، و الحكيم العادل ، أنت المقدم فينا ، والفاضل علينا ، و ما عسى أن يكون مبلغ رأينا عند رأيك .
غير أننا نعلم أن السباحة في الماء مع التمساح تغرير ، و الذنب فيه لمن دخل عليه في موضعه .
و الذي يستخرج السم من ناب الحية فيبتلعه ليجربه على نفسه فليس الذنب للحية . و من دخل على الأسد في غابته لم يأمن وثبته.
و هذا الملك لم تفزعه النوائب و لم تؤدبه التجارب ، و لسنا نأمن عليك من سورته و مبادرته بسوء إذا لقيته بغير ما يحب .
فقال الحكيم بيدبا
لعمري ، لقد قلتم فأحسنتم ، لكن ذا الرأي الحازم لا يدع أن يشاور من هو دونه أو فوقه في المنزلة ، و الرأي الفرد لا يكتفى به في الخاصة ، و لا ينتفع به في العامة .
و قد صحت عزيمتي على لقاء دبشليم . و قد سمعت مقالتكم و تبين لي نصيحتكم و الإشفاق علي و عليكم . غير أنني قد رأيت رأيا ،
و عزمت عزما ، و ستعرفون حديثي عند الملك و مجاوبتي إياه .
فإذا اتصل بكم خروجي من عنده فاجتمعوا إلي .
و صرفهم و هم يدعون له بالسلامة