حياة بين المدرسة والمخرءة و الدكا
حياة بين المدرسة والمخرأة و الدكان
المعلمون أو الطبشوريون لهم قصة خاصة مع التعيينات. خصوصا في السنوات الأولى من الحياة المهنية , فكل واحد منهم يحتفظ بحكاية مع الدوار أو الدواوير التي عين بها . هناك من يحتفظ بحكاية عاشها على قمم الجبال أو على ضفاف الأنهار وسط الغابات , و أصعبهم من يحتفظ بتجربة عنيفة عاشها بالفيافي و القفار و بهذا يكون المعلم إثنوغرافا أو عالم أنتروبولوجيا .
و هذا النوع الأخير تأتي حكايته مفعمة بالجراح و أكبر مشكل يتحدثون عنه بمرارة هو مشكل المرحاض
مؤخرا التقيت أحدهم بإحدى المراكز القروية تجاذبنا أطراف الحديث . لما علم أني أدون على الانترنيت حكايات تهم المعلمين الفرعيين . قال لي: سأحكي لك حكاية عشتها بإقليم وارززات اسمع لي جيدا حاول أن تنشرها على مدونتك
- تعينت في بداية الثمانينات بإقليم وارزازات و بالضبط بإحدى الواحات المتواجدة بمؤخرة الأطلس الصغير . وهدا الدوار عبارة عن ثلاثة تجمعات سكنية صغيرة مترامية على جبل و في وسطها يوجد دكان و في المقابل توجد مدرسة بقسمها اليتيم هي الأخرى مرمية على جبل , و بين الجبلين توجد واحة .
لما وصلت أول وهلة – و كيف وصلت إلى هناك قصة أخرى – صدمت لما علمت أن هدا القسم سأتخذه سكن و عمل . و زادت صدمتي عندما دخلت القسم
في ركن من أركانه وضعت طاولتان يبدو أنهما استعملتا لتقوم مقام المطبخ لازالت آثار الشاي عالقة بكأس مجاور لإبريق و بقايا بسكوتة, و كأن آخر من غادر هذا المكان لم يكن على استعداد لمغادرته تجولت ببصري وجدت كتابات منقوشة على الجدران و هي عبارة عن أقوال و حكم و الواضح أنها ليست لشخص واحد, شبيهة إلى حد ما بما يكتب على جدران السجون و أكثر ما أثار انتباهي و ترك آثاره على نفسي هو هذا البيت الشعري الذي نقش فوق الجدار المقابل للباب و كأن من كتبه يريد أن يترك رسالة للتاريخ
قال أصيحابي البطالة أم الحكرة
قلت هما أمران أحلاهما مر
و في الركن المقابل للمطبخ وضعت أربع طاولات جنبا إلى جنب لتصنع ما يسمي بالسرير
خرجت من القسم بحثت وراء المدرسة وجدت حفرة كبيرة عمقها يزيد عن المترين في قعرها بقايا براز فهمت أنها المخرءة
عدت إلى القسم و منه توجهت إلى الدكان المسافة التي تفصل المخرءة عن القسم هي نفسها التي تفصل هذا الأخير عن الدكان فهذا الدكان اليتيم في هذا الدوار يجمع بين كل التخصصات من بقال و خضار و عقاقير إلخ و عندما يدخل الحديد إلى هذه البقعة من الأرض و نادرا ما تحصل هذه الحالة يصبح الدكان وكالة للأسفار و البريد .
هذه هي مهنة التعليم و هكذا كان حظنا هناك من كان حظهم مخالفا لحظنا.
تصور معي من حياة الطلاب إلى حياة المدرسة و المخرءة و الدكان.
كان عندي سبعة تلاميذ ثلاثة بالمستوى الثاني و أربعة بالمستوى الأول .
في كل الأحوال لا يحضرون جميعهم فالناس يبعثون بأبنائهم خوفا من المقدم و الشيخ و القائد فهم يكرهون المدرسة و هذا الكره يمتد إلى المعلم .
عندما يحل الظلام أبقى وحيدا تأتي الهواجس و الخوف من المجهول و أفشل في طرد كل الحالات النفسية التي لا تزيدني إلا اكتئابا أستيقظ في الصباح مرهقا أذهب إلى الدكان أبتضع الفطور عبارة عن بسكوتة و شاي بدون نعناع و مباشرة بعد الفطور أذهب إلى المخرءة
بقيت على هذا الحال في أحد الأيام ذهبت إلى الدكان إشتريت علبة سردين و قنينتين من الكحول التي تشعل النار و عدت إلى القسم فتحت القنينتين و بدأت الشراب كأس تلو الأخر تصور أنه لم يسبق لي أن تناولت هذا المشروب الرديء و مع ذلك لم أجد صعوبة في شربه و لما انتهيت من الشراب ذهبت إلى المخرءة
نزلت إلى القعر و بدأت أردد شعارا طيلة الليل
نعم للدكان
نعم للمخرءة
لا للقسم
و في الصباح حملت متاعي ودعت مخرءتي و ذهبت إلى الصبيطار أعطاني الطبيب شهادة عجز لما تبقى من السنة و كان هو آخر يوم لي بتلك المدرسة